1973 - نجا المهداوي

الناصر بن الشيخ
Catalogues des expositions personnelles, à la Galerie Yahia, à Tunis, du 4 au 17 Décembre 1973 ; et à la galerie L'Atelier à Rabat, du 10 Avril au 6 Mai 1975.

 
 
لعلّ أهم ما يلفت النظر في رسم نجا المهداوي هو هذا الاصرار في البحث وهذا الدّافع العميق الذي يجعل الفنان يتابع تجاربه بدون أن يشعر بمُركب التَاريخ الذّاتي الذي تملّك من العديد من رسَامينَا العرب. فنراهم يتحدّثون عن مراحل واكتشافات تتلو الاكتشافات مع سابق إضمار بأن في هذا التفتيش تطورا حتميًا. والواقع ان هذا الاقتناع السطحي بجدوى ما يقوم به هؤلاء الفنَانون كثيرًا ما يكون عائقًا هامًا وصعبَ التخطي أمام البحث الحقِيقي الواعي المبني عن الشك والصَراحة الأولية مع النفس.
 
و ظنّي أن أعمال نجا منذ البدء كانت مبنية على هذا الوعي الحقيقي بامكانات الفنان و امكانية الخلق المتواصل المتوفرة في الإتجاه الواحد الذي انتحاه منذ عدّة سنين والذي يبدو وكانه ينقسم الى طريقتين اثنين ، الأول خطي باعتبار أنه يعتمد أساسًا على هذا التخطيط في المعنى الأوسَع. والثاني مادي بالنظر الى أنّه يستمد تعبيريته من العفوية الموجهة التي تتمثل في هاته المادة التي لا تُعبَر الا عن نفسها.
 
وليس معنى هذا أن رسوم نجا المهداوي لا تخَدم الا الفن للفَن. فهيَ قبَل كُل شيء مادة للتَأمل وأعمال الرأي في الواقع والتبشير بتغييره والعمل على بعث دينَامكية حضارية من شأنها أن تجعَلنا نعيش في حالة تَطابقٍ أكيدٍ مع مُعطيات الحِقَبة التَاريخية التي نعيشها. وعلى هذا الٱسَاس فإن أبحَاث نجا المهداوي معَاصرة في المفهوم العميق الذِي لا يفرّق بين مَا نعيشه نحن و ما يَعيشه الاخَرون.
 
 
وهي كذلك تعبير عن كياننا المرتبط حتمياً بماضينا. لكن هذا الارتباط ليسَ من ذلك النوع السحري الميتافيزيقي و المُبهَم الذي يجعَل نظرتنا إلى تُراثنا مُجرد تقديس لتركَه الأجداد الأمجاد. بل ارتباط تراعى فيه حركية التاريخ الداخلية و التي تجعل من التراثِ الفني افرازًا أصيلًا لكل العوامل التي تتركب منها فترة تاريخية ما في مكانٍ ووسطٍ اجتماعي خصوصيين.
 
فاللوحات الخطية التي يقدّمها لنا نجا المهداوي تٱخذ بالتخطيط العربي التقليدي الدال في شكله ومضمونه وتتسلط عليه بشيء من العنف اللين و تكون نتيجة هذا العمل نتاجًا جديدًا في نوعِه و شكله و مضمونه. فاللوحات التي تذكرنا بالتخطيط العربي اكتسبت بهاته الطريقة عنوانا آخراً يتمثل في كونها صارت رسوما لا تخطيطات وكأني به يقفل الدائرة ويرجع إلى البدء....
 

لكن التاريخ لا يعيد نفسه فهذه العودة الى العذرائية الأولى قد استعملت فيها مكاسب العلم الحديث والتقنية المعاصرة و نوعية التفكير الحاضري ،من تأثر بالالسنية و علم الاشارة و التحليل البنيوي لهياكل الكتابة العربية وخاصيتها.

لكن هذا التحليل ليس حتماً من نوع العمل العِلمي الصحيح بل يعتمد على حدس الفنان و حساسيته المرهفة والى قد تؤدي برؤياها الخاصة في مستوى أعلى من الفهم الى نفس النتيجة التي يتوصل اليها صاحب المخبر.

و بالرغم من *الظواهر* الخادعة فإن هذا العمل ينتمي الى ما أسماه ابن المقفع "بالسهل الممتنع".